الأحد 1 أيلول 2024 - 0:04
خاص (أيوب)
أسوأ من شبكة توزيع المياه في بيروت، السيّئة التمديد تاريخياً، هو العطل الدائم أو المزعوم في المضخّة المحلية التي من دونها لا تصل المياه إلى منازل المشتركين، وهذه المنازل أعلى بقليل من مستوى المحطّة في برج أبو حيدر، أو تلة الخيّاط. وليس نادراً أن ترى صهاريج توزيع المياه، تسرح وتمرح في الشوارع القريبة جداً من تلك المحطتين؛ لأن الكهرباء لم تصل إلى المحطّة في اليوم الموعود، أي مرّة كلّ يومين في الأيام العادية قبل حلول موسم الشحّ في الخريف، ولم تعمل المضخّة لسبب ما، فتروح المياه تنساب بالجاذبية الطبيعية أو بالجرّ بحسب المصطلح المستعمل، نحو المناطق الأكثر انخفاضاً. وطوال موسم الصيف، بل من أواخر فصل الربيع، تفيض المياه في المناطق المنخفضة، وتبقى المناطق الأخرى، عطشى، تلجأ إلى طرق ملتوية للحصول على قسط نسبي من حصتها المشروعة من المياه. ومن أشهر تلك الطرق، تركيب مضخّات صغيرة الحجم، في المنازل غير المحظوظة، الواقعة في المناطق المرتفعة قليلاً عن مستوى المحطّة المحلّية، لاجتذاب المياه السارحة والمنسابة بحرّية مطلقة إلى أسفل، غير عابئة بالمشتركين المحرومين منها. لكن هذه الحلول مؤقتة، وضارّة بطبيعة الحال، بمشتركين آخرين، هم أبعد قليلاً من مجرى الشبكة، إما لأنهم لم يستعينوا بمضخّات ذاتية، أو لأنّ موقعهم الجغرافي لا يسمح لهم بهذا النوع من الابتكار. والنتيجة هي تكلّف قسم كبير من مشتركي منطقة برج أبو حيدر وما حولها، ملايين الليرات، كلّ شهر، مع أنهم مطالبون في الوقت نفسه، بدفع الاشتراك السنوي لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، والذي ارتفع هذا العام، ليصل إلى ما يقارب 150 دولاراً، أو أكثر من 13 مليون ليرة.
لا يعرف سكّان برج أبو حيدر، تفاصيل الأعطال الرئيسية، في محطة ضبيه، ولا في خط الجرّ الرئيسي من ضبيه إلى محطة برج أبو حيدر، ولا يدركون مدى اهتراء شيكة التوزيع من المنبع إلى المصبّ. كلّ ما يعرفونه أنهم يعانون من انقطاع المياه في شوارع محدّدة دون سواها لأن لا مضخّة تدفع المياه إلى خزاناتهم، فيما شوارع مجاورة تطفح بالمياه في كلّ فصول السنة دون استثناء حتى في موسم الشحّ، لأن الماء يصل إليها بالجرّ، أي بقوة الجاذبية.
وكان رسم الاشتراك للمتر الواحد، تضاعف من 300 ألف ليرة ويزيد قليلاً، قبل عام 2019، بما يعادل 200 دولار، دون أن تتحسّن التغذية طبعاً، إلى ما يقارب المليون عام 2022، ثم إلى ما يضاهي أربعة ملايين ليرة، مع تدهور سعر الليرة بإزاء الدولار، فإلى أكثر من 13 مليوناً. والتبريرات هي نفسها، في كلّ مرّة: تأمين الصيانة، والمازوت، ورواتب الموظفين. لكن ما لا تفصح عنه مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، أنها ما تزال متوّرطة بمشروع السدود، وتريد دفع التكلفة. والأنكى من ذلك، أنّ بعض نوّاب بيروت، حاولوا المساهمة والتخفيف من الأزمة، في الأعوام الماضية، عبر التبرّع بألواح طاقة شمسية، أو بإصلاح المولّد الذي يضخّ المياه. وقامت جهة حزبية فاعلة في بيروت، بتزويد المحطّة بالمازوت لتدوير المضخّة. وعلى الرغم من كلّ هذه المساهمات والمبادرات، لا تبرح الأزمة مكانها، تتحسّن الأوضاع قليلاً، ثم تنتكس لأسباب غير معلومة. وفي أحد الأيام، اجتمع بعض أهالي المنطقة برفقة أحد الحزبيين، بمسؤولي محطة برج أبو حيدر. قالوا لهم: قلتم إنكم بحاجة إلى مازوت، أعطيناكم، فلماذا لا تضخّون الماء؟ كان الجواب بأن المضخّة معطّلة. وكانت المضخّة نفسها قد تبرّع نواب بإصلاحها قبل أشهر. وأخيراً، قام التقنيون في المؤسسة بوصل محطة برج أبو حيدر بخط الكهرباء القريب في جسر سليم سلام، وجرّبوه، فوصلت المياه مرة واحدة إلى كلّ المناطق، دون حاجة إلى مضخّات ذاتية، لأن الكهرباء كانت مقطوعة تماماً. كانت تجربة وحسب!
أصبح وضع المياه في بيروت، شبيهاً ببعض مناطق الاصطياف؛ تكون التغذية على ما يرام، وعلى أحسن ما يكون، وفجأة تنقطع من دون سبب، ويبدأ عمل أصحاب الصهاريج طوال الصيف. كانت هذه ظاهرة معروفة منذ سنوات خارج بيروت. وبسحر ساحر، أو فعل فاعل، انتقلت الظاهرة نفسها إلى بيروت. حتى أثناء الحرب الأهلية بين 1975 و1990، كانت المياه لا تشحّ إلا في أواسط الخريف. أما هذه الأيام، فهي تشحّ أواخر الربيع، حتى لو كانت السنة مطيرة بشكل غير مسبوق، ومنذ سنوات طويلة، كما الحال في شتاء العام الحالي. والمستغرب، بل ليس مستغرباً، أنّ مراصد رسمية لقياس معدل الأمطار، وكانت تعمل كل سنة كالمعتاد، أقدمت هذا العام، على إخفاء معدّل الأمطار، وكأنه من أسرار الأمن القومي، فيما شنّت جهات معيّنة حملة منسّقة على الأب إيلي خنيصر المشهور بخبرته في هذا المجال، فقط لأنه كان يقيس معدل الأمطار في عدة مناطق لبنانية، وهي معدلات عالية، وأعلى بكثير من السجلات الرسمية، ولأنهم يريدون التجارة بشحّ المياه لا بوفرتها، ولتبرير الزيادات غير المعقولة في رسم الاشتراك، مع انخفاض الرواتب بشكل مريع، وضياع أموال المودعين، ومن دون تحسين التغذية.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط