الثلاثاء 22 تشرين الأول 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
كان قادة إسرائيل وعلى مدار العام الحالي، قد هددوا لبنان بمصير غزة، إن لم يتوقف حزب الله عن إسناد غزة عبر إطلاق الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة. وما يحدث في لبنان منذ بداية تشرين الأول الحالي، يندرج جزئياً تحت سيناريو غزة، ويُطبّق على نحوٍ تدريجي وتصاعدي، مع بذل جهد ملحوظ لتبريره، لأن لبنان في نهاية المطاف ليس قطاع غزة، لا في التحديد القانوني الدولي ولا في نوع المسار العملياتي؛ لبنان دولة ذات سيادة، وقطاع غزة أرض مستباحة. وفرق كبير بين هجوم حماس على غلاف غزة، ومعركة إسناد غزة. صحيح أنّ النمط المستخدم في قطاع غزة، يحاول الإسرائيليون تنفيذه في لبنان، إلا أنّ قيوداً وعوائق برزت من خلال أمرين: الأول، توتر العلاقات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، إذ شهد المراقبون تناوشاً غير مسبوق، بسبب إصرار نتنياهو على استباحة لبنان، وماكرون يذكّره بأن عليه احترام القانون الدولي. والثاني، إصرار الولايات المتحدة على إسرائيل كي تقلّل ضرباتها على الضاحية الجنوبية، ووقف استهداف بيروت نفسها بالغارات، لا سيما بعد مجزرة البسطا الفوقا بذريعة اغتيال القيادي وفيق صفا. فقتل المدنيين اللبنانيين في هذه الحرب يعطّل مشروع إعادة رسم شكل النظام السياسي فيه من خلال انتخابات نيابية مبكرة، أو انتخابات رئاسية بإجراءات استثنائية، وفرض تطبيق القرار الدولي 1559 والقرار الآخر 1701. وهما معنيان بتجريد الحزب من سلاحه وإبعاد أفراده إلى شمال الليطاني.
أما عن سيناريو غزة وما يجري تنفيذه في لبنان، فيمكن إيجازه بما يلي:
- تدمير منهجي للمناطق الآهلة سواء أكانت قرى أو أحياء في مدن، بحجة أنها تضمّ في جنباتها مراكز للمقاومة، قيادات، مخازن ذخيرة، مرافق لوجيستية، أنفاقاً. لكن ما جرى في غزة، ليس معظمه عبارة عن مواقع عسكرية كما تزعم إسرائيل، بل هي مجرد ذرائع لضرب البيئة المؤيدة للمقاومة، كجزء من أعمال انتقامية بحت، وكذلك لتكبير التكلفة على البيئة وعلى المقاومة نفسها، ولدفعها إلى تسليم الأسرى الإسرائيليين والاستسلام. وهو ما تحاول إسرائيل تكراره في لبنان، بالطريقة نفسها. وما جرى سابقاً ويجري من تدمير منهجي لأحياء محددة في الضاحية الجنوبية، وكذلك نسف القرى الجنوبية التي أسماها وزير دفاع إسرائيل يوآف غالانت "قرى حزب الله" يندرج في هذا الإطار. وهذا كله تحت عنوان إضعاف الحزب أو إبادته، فيما ما يقع فعلياً إنما هو اجتثاث مقومات طائفة بعينها، لأنها تؤيد الحزب عموماً، أو تصوّت له في الانتخابات. وبالتعريف القانوني المعروف عن الإرهاب، أي ضرب المدنيين لتحقيق أهداف سياسية، فإن الاستهداف المباشر للمدنيين، ولممتلكاتهم، للضغط عليهم، بهدف دفعهم للتخلي عن تأييدهم للحزب، أو للقيادات الشيعية عموماً، أو الضغط النفسي على القيادات نفسها، والرئيس نبيه بري في الآونة الأخيرة، لتحقيق برنامج سياسي معين، مثل إعادة تكوين السلطة وفق شروط محددة، ومواصفات معينة، هو من قبيل ممارسة الإرهاب بشكل صريح.
- تدمير المؤسسات الاقتصادية، كجزء من مكوّنات المجتمع المستهدف ومقوماته، وعناصر قوته. وقد بدأت إسرائيل بهذا المنحى عشية مجيء الموفد الأميركي الخاص عاموس هوكستاين إلى بيروت، لإملاء الشروط الأميركية المخففة بالمقارنة مع التي تطالب بها إسرائيل، وهي لعبة معروفة (الشرطي السيء والشرطي الجيد). فعلى نحوٍ مفاجئ، قرر الجيش الإسرائيلي قصف كل فروع مؤسسة القرض الحسن في كل لبنان، ما أثار موجة من الذعر بين السكان لا سيما في أحياء بيروت المكتظة بالنازحين. لكن فروع القرض الحسن، هي مكوّن واحد من مؤسسات عديدة، لها ارتباط مباشر بالحزب، أو بأفراد من البيئة الحاضنة، وهو توسيع خطير لمجال الاستهداف، ويندرج تحت بند قتل الناس وتدمير ممتلكاتهم وترويعهم، لتحقيق أهداف سياسية. ولا نعلم إن كانت الولايات المتحدة الداعمة الأكبر لإسرائيل سياسياً وأمنياً وعسكرياً ومالياً، تقبل بأن تنفذ إسرائيل بقية مندرجات سيناريو غزة في لبنان، مثل قصف المستشفيات، وإسرائيل تحوم حولها وتقصف مواضع قريبة منها لتعطيلها في كل المناطق ذات الغالبية الشيعية، حتى مستشفى رفيق الحريري الحكومي الكائن في منطقة شيعية شعبية على أطراف الضاحية؛ أو استهداف المؤسسات التربوية، مدارس وجامعات، أو المؤسسات الاجتماعية، أو الشخصيات السياسية التابعة للثنائي الشيعي، أو القريبة منه. فلو تُرك نتنياهو على هواه، في لبنان، فالفضيحة هي فضيحة الدول الداعمة لإسرائيل، من دون بصر ولا بصيرة.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط