خاص أيوب


بيتر جرمانوس بين القاضي "الممانع" والمغرّد "السيادي"

الجمعه 11 تشرين الأول 2024 - 0:01

كتب (المحرر القضائي)

تفاعلت في الأيام الأخيرة قضية المطالبة بمحاكمة القاضي السابق بيتر جرمانوس لإقدامه ضمناً على تحريض العدو الإسرائيلي على استهداف بعض المرافق الحيوية اللبنانية لا سيّما مطار رفيق الحريري الدولي الذي وصفه جرمانوس في إحدى تغريداته ب "مطار الخمينئي".

المفارقة أنّ جرمانوس نفسه، عندما كان مفوّضاً للحكومة لدى المحكمة العسكرية، أو بشكلٍ أدقّ مفوّضاً من العهد البرتقالي ووزير عدله سليم جريصاتي، من أجل ملاحقة كلّ معارضي العهد وتحديداً من المسيحيين والسنّة، كان قد  داهم مكتب أحد المواقع الإلكترونية، وعمّم بلاغ بحث وتحرٍّ بحق ناشره بعد أن نسب اليه أنه "يسيء إلى سمعة مطار رفيق الحريري الدولي أمام اللبنانيين والمجتمع الدولي".

يومها لم يكُن بيتر جرمانوس مجرّد مغرّد "ما في على حكيه جمرك"،  بل كان قاضياً في أحد أهم المراكز الجزائية الأمنية ويغرّد داخل السرب العوني، كما لم يكُن لبنان يواجه عدواناً إسرائيلياً كالذي يحصل اليوم، ولم يسمح جرمانوس من موقعه القضائي كحارس للعهد العوني لإعلامي أن يضيء على حادثة امنية شاذة حصلت داخل المطار تمثّلت بمحاولة احد المحظييّن وبمساعدة امنية منع تفتيش حقيبته، فسارع إلى التهويل على الإعلامي عبر مداهمة مكتبه وتعميم بلاغ من اجل توقيفه.

اليوم بيتر جرمانوس، وبعد أن أصبح يملك صفة "القاضي السابق" نتيجة استقالته بعد إحالته على المجلس التأديبي وفشل العهد العوني بحمايته رغم أنّ أركان ذلك العهد جهدوا وطيلة أكثر من سنة في محاولة تأمين الحماية له إلا أنّ حجم الإثباتات التي كانت في ملّفه لم تسمح بأكثر من تسوية تسمح له بالاستقالة الطوعية كخيار وحيد متاح بدلاً من الطرد.

القاضي بيتر جرمانوس، الذي شهد عهده في القضاء العسكري أكثر الملاحقات الأمنية القمعية عبر تُهم ملفّقة بحق إعلاميين وممثلين وناشطين ومثقّفين من السنّة والشيعة والمسيحيين المعارضين لعهد الرئيس عون، بتهم العمالة، ومن بينهم على سبيل المثال الدكتور زباد العجوز، والممثل زياد عيتاني، والإعلامي نديم قطيش، يُجاهر اليوم بأفعال تتجاوز بأشواط من حيث خطورتها تلك التي لاحق بسببها هؤلاء، ولعلّ ليس أوضح من ذلك مشاركة جرمانوس بندوة على شبكة الإنترنت كان يتكلّم فيها أحد الإسرائيليين.

المغرّد جرمانوس، الذي لا يكتفي اليوم بتحريض العدو على استهداف المنشآت الحيوية، يُمعن أيضاً في التفرقة الطائفية والحضّ على النزاع بين الطوائف زاعماً بوجود حملة لتخوينه فقط لأنه "مسيحيّ"، متناسياً حملة التخويف والإرهاب التي خاضها عندما كان مفوّضاً للعهد العوني في المحكمة العسكرية حين لاحق كلّاً من الإعلاميين منى صليبا، مارسيل غانم، جو معلوف، وميشال قنبور. وللمفارقة أنّ جميعهم من المسيحييّن، فقط لأنهم تناولوا فساده وفساد العهد العوني ووزراءه في تقاريرهم.

اليوم يُعيد جرمانوس نشر تغريدات يستعيد فيها بعض المواقف التي أطلقها سموّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مدّعياً محبةً للدول العربية وقادتها، وهي لا تتمايز عن الانتماء الذي كان يدّعيه للعهد العوني قبل انقلابه المصلحي عليه ونعته اليوم بـ"العهد العومي"، ومتناسياً كيف توجّه على رأس دورية أمن الدولة، الذراع الأمنية للعهد العوني، لتفتيش منزل الممثل زياد عيتاني والزجّ به في السجن لأشهر عديدة قبل انفضاح تلفيق ملف العمالة له على خلفية إضاءته على شارة إعجاب وضعتها المقدّم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج على تغريدة تسيء للمرأة السعودية، قبل أن يُبادر جرمانوس رغم الإثباتات الواضحة في الملف إلى طلب إعلان براءتها في سابقة لم يشهد القضاء مثلها، فقط إرضاءً للعهد العوني ووزير دفاعه آنذاك إلياس بو صعب، وبعد أن كان جرمانوس يردّد، خاصة في أوساط الكنيسة المارونية، السردية التي تقول إنّ المخابرات السعودية هي وراء توقيف سوزان الحاج فقط لأنها مسيحية، وذلك من أجل التحريض على المملكة العربية السعودية تماهياً والتزاماً بالنهج العوني في هذا المجال.

بيتر جرمانوس، الذي لم نسمع أنه حين كان قاضياً ضبط أو صادر أقلّه مسدساً خلّبّياً مع مؤيد لمحور الممانعة.

بيتر جرمانوس، الذي أطلق الملاحقات حين كان قاضياً  بحقّ إعلاميين مثل مارسيل غانم ومنى صليبا وميشال قنبور وجو معلوف، ولم نسمع يوماً أنه لاحق أيّ صحافي في المنار أو إذاعة النور.

بيتر جرمانوس، الذي لاحق حين كان قاضياً مدير عام قوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات بعد أن كشفت تحقيقاتها فساده، و لم نسمع يوماً أنه لاحق ولو عنصر حراسة في اللجنة الأمنية للحزب.

بيتر جرمانوس الذي قصد الضاحية والحاج وفيق في نيسان 2019 طالباً الحماية بعد انكشاف فساده، واستفاق يومها على جريمة ارتكبها العدو الإسرائيلي في العام 1982 لتنظيم ادعاء شكلي بشأنها من أجل الإيحاء أمام الحاج وفيق أنّ ملاحقته التأديبية حصلت على خلفية جرأته في ملاحقة العدو.

بيتر جرمانوس، إن كان يعتقدنا من دون ذاكرة، فهو مخطئ.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة