
الجمعه 31 كانون الثاني 2025 - 0:00
خاص (أيوب)
كما نجح أحمد الشرع "الثائر" في شقّ طريقه من "التيار السلفي الجهادي" نحو فكر الوطن الجامع ومنطق الدولة؛ وفي الزحف السريع من دون مواجهات دموية أو مدمّرة للحواضر السورية من إدلب إلى دمشق في 11 يوماً، ها هو يحاول خوض تجربة الحكم في مرحلة انتقالية تمتدّ سنوات، في بيئة سياسية مضطربة محلياً وإقليمياً ودولياً. أما الإعلان عن افتتاح المرحلة الانتقالية، فكان على دفعتين: يوم الأربعاء الماضي، كان لقاء الشرع مع الفصائل الثورية التي حاربت النظام البائد وأسقطته. وبنهاية اللقاء، أعلن قائد إدارة العمليات العسكرية، وهيئة تحرير الشام، الانتصار على نظام بشار الأسد، وحلّ كل الفصائل العسكرية والمدنية التابعة للثورة، ودمجها بهياكل الدولة، كما أعلن تولّيه رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية. وفي اليوم التالي، ألقى الرئيس أحمد الشرع خطاباً إلى عموم السوريين رسم فيه معالم المرحلة القادمة، ومهامها، وأولوياتها.
لكن التساؤلات انبرت بسرعة، فكان سيلٌ من الانتقادات لخطاب "يوم النصر"، في الشكل كما المضمون. ففي الشكل، كان ثمة تقصير في بثّ خطاب الشرع في الإعلام الرسمي، واقتصرت التغطية في حسابات التيلغرام. كما أن الحضور الطاغي كان للفصائل العسكرية، وهو لا يعكس كافة مكوّنات المجتمع. وفي المضمون، كان ينقص المطالعة التمهيدية لإعلان الشرع رئيساً، المسوّغات القانونية وهي تتمثّل هنا بـ"الشرعية الثورية". واكتفى احتفال النصر، يوم الأربعاء بإعلان الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية العقيد حسن عبد الغني تولية القائد أحمد الشرع رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، بعد تعليق العمل بالدستور على أن يقوم بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية، ويمثلها في المحافل الدولية، مع تفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ. كما أعلن عن حلّ الجيش وجميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام المخلوع، بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين.وكذلك حلّ مجلس الشعب واللجان المنبثقة عنه، وحلّ حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، على أن يُحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، بينما تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية.
أما في خطاب الشرع في اليوم التالي، فجاء فيه نوع من التبرير القانوني لتسلّمه رئاسة سوريا حين قال إنه أجرى مشاورات مكثفة مع الخبراء القانونيين، تمهيداً لاستلام السلطة. وكشف الشرع برنامج العمل، وهو تشكيل حكومة انتقالية شاملة، وتأليف لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، تحقيق السلم الأهلي وملاحقة المجرمين ممن ولغوا في الدم السوري، من خلال العدالة الانتقالية، بناء مؤسسات قوية للدولة لا فساد فيها ولا رشاوى، وفرض السيادة على كامل الأراضي السورية، وأنه لن يكون فساد ولا رشاوى، وإرساء دعائم اقتصاد قوي.وتعهّد بالعمل بكل قوة وإرادة على تحقيق الوحدة السورية. ودعا جميع السوريين "لبناء وطننا الجديد معاً".
ما بين خطاب النصر والخطاب العام، لا توجد فروق حقيقية في المضمون. فكأنه الخطاب العام تكرار لما جاء في خطاب النصر. أما في الشكل، فالاختلاف جوهري. ففي خطاب النصر كان الحضور عسكرياً، وكان الشرع يلبس اللباس الكاكي، في إشارة إلى طبيعة اللقاء، وطبيعة المناسبة، لذلك لا مغزى للانتقادات التي تناولت طبيعة الحضور. فالسُنة السوريون هم الذين ثاروا على الأسد، وهم الذين أسقطوه عسكرياً، بأتمّ معنى الكلمة. أما في الخطاب العام، فكان الرئيس الشرع يلبس البذلة الرسمية، في إشارة واضحة إلى دخوله المجال السياسي المدني. وفي اللقاء الأول، "بايع" قادة الفصائل الثورية أحمد الشرع رئيساً لسوريا، ومنهم استمدّ شرعيته كرئيس للمرحلة الانتقالية، ولو لم ينطقوا بلفظ البيعة. وكان الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية صريحاً حين قال إن الشرع جرى تفويضه بمهامّ رئاسة الجمهورية. فمن الذي فوّضه؟ إنهم أعضاء غرفة العمليات العسكرية، وهم أهل الحل والعقد، لو أردنا استعمال المصطلح الإسلامي القديم. لكن سوريا الجديدة، ستسير وفق نظام سياسي حديث، لا يستثني أحداً، وهذا ما سيرد في الدستور الجديد.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط