الجمعه 13 أيلول 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
مع انهيار الاقتصاد اللبناني أواخر عام 2019، مترافقاً مع الحراك الشعبي العارم، الذي كشف نهج الترقيع، وشراء الوقت، والاستدانة المتكررة لدفع فوائد الديون السابقة، بدأت الطبقة السياسية توجّه اللوم في هذا الانهيار أو جزء كبير منه إلى حجم النزوح السوري في لبنان منذ احتدام الحرب في سوريا، ابتداء من عام 2012. انطلقت الحملة مع زعيم التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، ووافقه عليها رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري. ومع الوقت، كبرت الحملة واتسعت كثيراً، من منع البلديات في مناطق مسيحية على وجه خاص، تجوّل النازحين بعد ساعة معيّنة ليلاً، إلى طردهم أخيراً من تلك المناطق بحجة ما يمثّلونه من خطر أمني محتمل، وخاصة بعد خطف المسؤول القواتي باسكال سليمان وقتله على يد عصابة سورية. وكذلك صدور مواقف شديدة بهذا الخصوص من أعلى المرجعيات السياسية والدينية المسيحية، باعتبار أنّ النزوح السوري يهدّد وجود لبنان. غير أنّ الحملة لم تمتدّ بالزخم نفسه، إلى المناطق ذات الغالبية الإسلامية، على الرغم من التذمّر المنتشر فيها بشأن مزاحمة السوريين للبنانيين ومنافستهم في مجالات العمل. بل إنّ السوريين الذين أُخرجوا من المناطق المسيحية عادوا ووجدوا مكاناً لهم في المناطق الإسلامية، للإقامة والعمل. وحتى الحملة التي قام بها وزير الداخلية بسام مولوي لإغلاق المحالّ التي يعمل فيها السوريون أو التي يديرونها دون أن يحوزوا على إقامات قانونية، لم تكن حاسمة في إجبار مئات الآلاف على الخروج من لبنان. فهل مردّ ذلك إلى الموقف السنّي المتسامح مع هذه الظاهرة؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هي الأسباب؟ هل الشعور بالأخوّة الإسلامية يجعل أهل السُنة عموماً يتغاضون عن العدد الكبير من النازحين في مناطقهم، لأنهم ينتمون إلى الدين نفسه؟ وهل ممارسة الشعائر الدينية بانتظام عند شريحة معيّنة من أهل السُنة مؤشر على التماهي مع السوريين، الذين، وفي بيروت على الأقل، يملؤون حيّزاً كبيراً من المساجد خلال الصلوات الخمس، وأيام الجمعة، ويمثّل أطفالهم أغلبية المشاركين في الدورات الصيفية لتعليم القرآن؟ هذا ما دفع مؤسسة إحصائية معروفة، هي "الدولية للمعلومات" لتنظيم استطلاع للرأي حول الموقف من النزوح السوري، مركّزاً الضوء على موقف أهل السُنة، لا سيما موقف الملتزمين منهم بأداء الشعائر الدينية. وتراوحت أسئلة الاستطلاع بين النماذج التقليدية في هذا المجال، والأسئلة المفاجئة والتي تستبطن معرفة الدوافع الدينية لدى السُنة، والتي قد تسهّل دمج النازحين السوريين السُنة غالباً في مناطقهم دون أيّ حرج أو انزعاج.
ومن الأسئلة التقليدية التي طُرحت في الاستطلاع المذكور: هل تشعر بالانزعاج من مزاحمة السوريين للبنانيين في سوق العمل؟ وهل تشهد حالات تسوّل يقوم بها سوريون في المنطقة التي تقطن فيها؟ ثم ينتقل الاستطلاع إلى تلمّس نواحٍ أخرى، قد تشكّل دوافع كراهية محتملة بسبب ممارسات سابقة للجيش السوري في لبنان، والذي رابط في معظم المناطق لما يقارب 30 سنة، وانسحب كاملاً عام 2005. فكان السؤال: هل تعرّضت للأذى من الجنود والضباط السوريين خلال تلك المدة؟ وهل سمعت عن قصص من هذا القبيل وقعت لأقربائك أو معارفك أو أصدقائك؟ نمط هذه الأسئلة، يحاول استخراج مشاعر عنصرية، باعتبار أنّ السوريين هم السوريون سواء أكانوا من جنود النظام أو من الثائرين عليه؟ ثم يأتي السؤال التالي: هل أنت من المنتظمين في أداء الشعائر الدينية؟ وهل يؤدي سوريون هذه الشعائر معك في المساجد؟ هل تشعر أنك مختلف عن النازح السوري أم لا تشعر بأيّ فارق أو أنك لا تميّز في العلاقة بين لبناني سني أو سوري سني؟
ماذا يعني هذا الاستطلاع؟
أولاً، أنّ هناك جهة مسيحية غالباً تريد معرفة الموقف السني من وجود النازحين السوريين في المناطق الإسلامية. وإذا جاءت النتيجة إيجابية، بمعنى أنّ أهل السُنة لا يمانعون بوجود النازحين السوريين، أو لا يشعرون بخطرهم على السلم الأهلي. وهذه المعطيات تحتاج إلى معالجة سريعة، لأن التساهل السني مع النزوح السوري السني بغالبيته، يقلقهم أكثر من النزوح نفسه.
ثانياً الأخطر مما سبق، هو محاولة معرفة الموقف الديني السُني من وجود النازحين السوريين في لبنان، وهل يرى المتديّنون فيهم عنصراً مساعداً لهم في لعبة الصراع في لبنان، سواء كانت احتمالاته قريبة أم بعيدة. لذا، ترتكز الحملة على النازحين، على نهج التخويف أو التهويل، من إمكانية تسلّح النازحين، وكثير منهم خضع للخدمة العسكرية في سوريا قبل الحرب وأثناءها، أو كان في صفوف المعارضة المسلحة. بل يحذّر القادة المسيحيون من احتمال السيطرة على لبنان بالتوالد السريع، وقد يكون ذلك بتخطيط من بشار الأسد نفسه، باعتبار أنّ النازحين حالياً هم غالباً إما محايدون أو موالون للنظام.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط