
الأحد 27 تشرين الأول 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
ردّت إسرائيل أخيراً على الهجوم الصاروخي الإيراني في الأول من الشهر الحالي. استغرق الأمر 25 يوماً من التحضيرات العسكرية واللوجيستية والاستخبارية والمفاوضات المعقّدة مع الولايات المتحدة، والتي تخللتها جملة من الابتزازات والمقايضات، من أجل وضع قيود على الردّ الإسرائيلي، وتتلخص بأمرين: عدم الاقتراب من المواقع النووية ولا النفطية. أما الثمن الذي قبضته إسرائيل من التزامها بهذين الشرطين، فليس أقل من تعطيل عمل المحكمة الجنائية الدولية التي كانت على وشك إصدار مذكرة اعتقال ضدّ نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، في قطاع غزة، عندما طلبت رئيسة القضاة في المحكمة، الرومانية يوليا موتوك، اختيار بديل منها لأسباب صحية يوم الجمعة، أي قبل ساعات من الهجوم الإسرائيلي على إيران، وحلت محلها بيتي هولر القاضية السلوفينية.لكن هذا الإجراء سيتسبب بمزيد من التأخير في إصدار مذكرات الاعتقال؛ إذ إنّ القاضية الجديدة ستحتاج إلى وقت للإحاطة بجميع مستندات القضية.وكان الادعاء قد طالب منذ أيار الماضي إصدار مذكرات الاعتقال ضدّ نتنياهو وغالانت، فضلاً عن قادة حماس، إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف.
ولا يقتصر ثمن الردّ الإسرائيلي المحدود على تعطيل عمل المحكمة، فثمة أمور لم يُكشف النقاب عنها. لكن ما الذي ستقبضه إيران من عدم الردّ على الردّ الإسرائيلي، أو الاكتفاء بإكمال المسرحية التافهة بردّ رمزي؟ هل ستقف الحرب التدميرية على غزة وعلى لبنان؟ ماذا ستفعل إيران إن لم تقف الحرب، وأكملت إسرائيل حملة الإبادة حتى بعد انتخاب الرئيس الجديد للولايات المتحدة مطلع الشهر المقبل؟ هل ستتنازل عن أذرعها في المنطقة وتوقف تدخلها في الدول العربية وتسليح ميليشياتها أو إعادة تذخيرها، بعد ذلك الصراع غير المتوقع في مداه وعنفه؟ بل هل بقيت فائدة من الاستراتيجية التي بُنيت على مهل، وعلى مدى سنوات طوال بصبر وتضحية كبيرين، فإذا بها تنقلب كوارث ومآسٍ دون أن تكون رادعة لإسرائيل ولا لحلفائها عن إلحاق الدمار بغزة ولبنان، واغتيال كبار القادة؟
تلك الأسئلة لم تعد تراود المعارضين لإيران فقط، بل أصبحت تخطر بشكل مستمر كالهاجس في عقول وقلوب حلفاء إيران ووكلائها في المنطقة؛ لقد بات واضحاً، أنّ كلّ هذا السلاح، هو لخوض الحرب بعيداً عن إيران وخارج حدودها، ولمصلحة إيران بالدرجة الأولى. صحيح أنّ كثيراً من الشيعة المؤمنين بولاية الفقيه، يقبلون بتحمّل هذا العبء دفاعاً عن إيران، ولحماية الدولة الشيعية الأولى في العالم الآن. لكن حتى هذا الاعتقاد يفقد بسرعة كثيراً من رونقه وألقه، حتى في أوساط "الولايتيين" أتباع الوليّ الفقيه.
وما زاد الأمر إحباطاً في الوسط الشيعي لا سيما في لبنان، هو ما تواتر من معلومات ومواقف عن الردّ الإسرائيلي. فموقع أكسيوس الأميركي، يؤكد أنّ إسرائيل أبلغت طهران عبر هولندا، أنها ستشنّ الهجوم عليها، دون تحديد الأهداف، لكنها أخبرتها بما لن تقصفه، أي الأهداف النووية والنفطية. والهدف هو تقليل الخسائر البشرية، حتى لا تضطر إيران إلى الردّ على إسرائيل، ولو ردّت فبشكل محدود. هكذا جاء حرفياً في معلومات أكسيوس. وقالت إسرائيل إنها قصفت أولاً الدفاعات الجوية الإيرانية، في الموجة الأولى. وفي الموجتين الأخريين، قصفت مواقع الصواريخ والمسيرات، وأماكن تصنيع الصواريخ والمسيرات. واستعملت في الهجوم 100 طائرة، قطعت مسافة 1600 كيلومتر. أما إيران فقللت من شأن الهجوم، وأعلنت أنها أفشلته، في حين سقط عدة جنود إيرانيين في الهجوم.
ماذا يعني ذلك؟
قد يعني أنّ الردّ الإسرائيلي بهذه الطريقة هو تمهيد لخفض التصعيد في المنطقة، فيكون الردّ الإيراني أكثر محدودية، وهكذا. وأكثر من ذلك، من المحتمل أن تكون إيران قد حصلت على وعود بإنهاء قريب للحرب في لبنان خاصة، مقابل تطبيق القرار الدولي رقم 1701، وهو ما صرّح به قائد الأركان الإسرائيلي مساء الجمعة، في حين أنّ جهوداً مصرية تُبذل لاتفاق جزئي لتبادل أسرى وهدنة، كلّ أسير مقابل كلّ يوم هدنة، ما دامت الحلول الشاملة غير ممكنة. لكن هذا كله، لن يطفئ شعور الخيبة من السلوك الإيراني في هذه الحرب.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط