الخميس 19 أيلول 2024 - 0:00
خاص (أيوب)
هل تفجير أجهزة اللاسلكي أمس الأربعاء بعد يوم من تفجير أجهزة "البيجر" بأيدي حامليها من أفراد حزب الله وكوادره، هو تمهيد للحرب الموسعة مع لبنان، أو بديل من هذه الحرب التي لا يمكن حسمها الآن كما يقول الخبراء العسكريون في إسرائيل؟
بحسب المحرر الدبلوماسي لـ "تايمز أوف إسرائيل"، لازار بيرمان، فإن نتنياهو إذا قرر بالفعل شنّ حرب على حزب الله، فليس هناك ما يضمن أنه سيحقق النتيجة المطلوبة. وعلاوة على ذلك، سيقلل من احتمال أن تحقق إسرائيل أهدافها الحربية الثلاثة الأخرى: الإطاحة بحماس، وتحرير الرهائن/الأسرى، وضمان عدم تهديد غزة لأمن إسرائيل في المستقبل. ويستعرض بيرمان سيناريوهات الحرب مع الحزب، بالنظر إلى التجارب السابقة، فيقول: إنّ مهاجمة البنية التحتية للدولة اللبنانية من شأنه أن يمثل استمراراً للمقاربات الإسرائيلية التقليدية تجاه المنظمات المسلحة، بما يعني الضغط على الجهات الحكومية لكبح جماح المقاتلين غير النظاميين داخل حدودها. وقد استخدم هذا النهج بشكل فعّال ضد مصر والأردن لوقف هجمات الفدائيين الفلسطينيين انطلاقاً منهما في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. وإلى أن سحب نظام الأسد قواته في عام 2005، سعت إسرائيل أيضاً إلى استخدام سوريا، وكانت أقوى لاعب في لبنان، لوقف هجمات منظمة التحرير الفلسطينية، ثم حزب الله على الجيش الإسرائيلي.
لكن هذا النهج يفترض إما أن تعمل الدولة اللبنانية الضعيفة على كبح جماح حزب الله، أو أن الانتقادات العلنية ستجبر الحزب على الموافقة على وقف إطلاق النار. فشلت هذه المقاربات في الماضي، ونظراً للخلل الحكومي الوظيفي والانهيار الاقتصادي في لبنان، فمن غير المرجح أن تنجح اليوم.
وفي الوقت نفسه، فإن الحملة ضدّ حزب الله نفسه، باستخدام الطائرات والمدفعية ستكون استمراراً لثلاثة عقود من العمليات العسكرية الإسرائيلية غير الحاسمة. لقد اعتمدت إسرائيل على القوة الجوية في محاولة لردع حزب الله وحماس عن مهاجمتها، بدلاً من البحث عن نصر بري حاسم. وقد أكد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر مدى سوء هذا النهج.
وبدلاً من ذلك، يمكن لإسرائيل أن تتبنى النهج الحالي تجاه غزة في الشمال من خلال إغراق لبنان بالقوات البرية، ثم استئصال حزب الله ببطء من القرى والأنفاق، أثناء البحث عن مخزونات الأسلحة. لكن الجيش الإسرائيلي لم ينته من المهمة ضد عدو أصغر بكثير (حماس)، وتمكنت حماس من إشغال أعداد كبيرة من جنود الاحتياط لبضعة أشهر، قبل أن ينفد صبرهم. وإن حرباً أطول وأكثر فتكاً في لبنان مع قوة إسرائيلية احتياطية وجبهة داخلية متعبة لن تؤدي إلا إلى زيادة الإحباط المتزايد بشأن إدارة الصراع منذ 7 تشرين الأول. كما سيجلب شهوراً من الهجمات الصاروخية على مجتمع مرهق مع عشرات الآلاف من اللاجئين الداخليين، والاقتصاد الراكد، وأفراد الأُسر في حالة حرب منذ عام تقريباً. وعلاوة على ذلك، فإن عودة الجيش الإسرائيلي إلى جنوب لبنان لأشهر - إن لم يكن لسنوات - يوفر فرصة لقوات حرب العصابات المدافعة لاستنزاف جيش الاحتلال التقليدي إلى أن يهرب.
الخيار الأخير، هو توغل بري محدود لإنشاء نوع من المنطقة العازلة في جنوب لبنان. وقد طرح قائد القيادة الشمالية أوري غوردين هذه الفكرة، وفقاً لصحيفة "يسرائيل هيوم"، كما يمكن أن يكون بمثابة ورقة مساومة لإجبار حزب الله على الموافقة على حلّ دبلوماسي.ومع ذلك، لم تكن المناطق العازلة فعّالة بشكل خاص بالنسبة لإسرائيل. "كانت هناك منطقة عازلة من عملية الليطاني في عام 1978 حتى عام 1982"، كما يقول تال توفي، المؤرخ العسكري في جامعة بار إيلان. "كانت لا تزال هناك عمليات تسلل من لبنان إلى إسرائيل، وأطلق المقاتلون المزيد من الصواريخ من مسافة أبعد". و"إذا أنشأ الجيش الإسرائيلي منطقة أمنية بطول 5 كيلومترات مثلاً، فإن حزب الله سيزيد من إطلاق الصواريخ قصيرة المدى". ومن المرجح أن تستمر إسرائيل في توسيع المنطقة العازلة المحدودة حتى تجد نفسها تستعيد المنطقة الأمنية التي تركتها في عام 2000.
ومن المرجح أن تنتهي أيّ عملية لا تلحق ضرراً بالغا بحزب الله، وتجبره على إعادة الانتشار بعيداً عن الحدود باتفاق آخر لوقف إطلاق النار، كما حدث عقب العمليات السابقة. وهل سيشعر سكان الشمال بمزيد من الأمان إذا انتهت الحرب بقرار جديد من الأمم المتحدة، وهم الذين لا ينوون العودة إلى ديارهم مع وجود حزب الله على الحدود على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701؟
وبحسب بيرمان، فإن مأزق إسرائيل، هو أنها أهملت قواتها البرية لسنوات، واقتنعت بنظرية النصر من خلال سلاح الجو إلى جانب التقنيات الدفاعية؛ القبة الحديدية والأسوار التي كلّفت مليارات الدولارات. هذا النهج سمح لحماس وحزب الله بالنمو من مجرد خلايا صغيرة إلى جيوش قادرة على غزو إسرائيل وإغلاق جبهتها الداخلية. كما أنه يحدّ من خيارات إسرائيل اليوم. وبسبب العدد المحدود للتشكيلات البرية فقد تباطأت العملية في غزة، مما يجعل إسرائيل تخوض حربين معقدتين في وقت واحد.
وأصبحت معضلة إسرائيل في الشمال أكثر إرباكاً نظراً لوتيرة حملتها في غزة. فحماس ما زالت قادرة على استعادة قطاع غزة وإعادة بناء قواتها عندما تنسحب إسرائيل. ولأن إسرائيل لم تجد طريقة لإعلان نهاية الحرب في غزة – من خلال صفقة رهائن أو انتصار في ساحة المعركة – فلم يتبق لإسرائيل سوى خيارات قليلة. وإذا قررت إسرائيل شنّ عملية برية ضد حزب الله، فإن التوصل إلى اتفاق أو تحرك عسكري حاسم ضد حماس يصبح أقل احتمالاً مع نقل المزيد من القوات إلى الشمال. وسيكون هذا تعزيزاً لاستراتيجية زعيم حماس يحيى السنوار. والحرب ضد حزب الله يمكن أن تكون التطور الذي كان ينتظره السنوار لأشهر طويلة في الأنفاق تحت غزة المدمرة.
لكن ربما تكون عملية تفجير أجهزة الاتصالات في لبنان مخرجاً من المأزق، كما يرى بيرمان، ومن الأفضل لقيادة الحرب في إسرائيل، أن تفعل ما يلزم لإنهاء الحرب على حماس بسرعة، حتى تتمكن من البدء في الاستعداد للحملة الحتمية ضد حزب الله، والشروع فيها فقط بعد أن تبني قدرات جيشها ليكون جاهزاً لتحقيق النصر الحاسم. وهذا الأمر يتطلب أقل من ثلاث سنوات. وذلك بحسب تقرير عسكري عن شركة الجاينز Janesالبريطانية المتخصصة في شؤون الاستخبارات العسكرية.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط